منصور حواس الخضع
من الشعراء الذين قل نظرائهم في هذا الزمان من حيث دقة الوصف وبراعة التصوير وتوظيف المفرده بموقعها الصحيح .
كذلك إلتقاط الصوره الشعريه في وقتها ومكانها المناسبين .
وأنا هنا لأ قول أن ابوعبدالله لم يخدمه الإعلام الذي خدم كثيراً من أنصاف الشعراء .
وهنا أرى أنه لزاماً علينا أن نعرف قيمة مايكتب ومايقول /ابو عبدالله .
وليس من باب المدح الذي هو أهل له _ بل للامانه الشعريه والأدبيه _ يجب أن يعرف الجميع من هو /
منصور حواس الخضع .
بدايه /
بادن بديت بعليم بكل مشيوله
..//.. نية ضميرن بخافي سد شايلها
هنا يتضح معنى البدء فليس هناك أبلغ وأفضل من البدايه بسم الواحد الأحد علاَم النوايا
وليست أي نوايا بل المخفي منها والذي لايعلمه إلاَ رب العالمين .
كذلك التكرار التأكيدي الذي يعطي البدايه الأولى مزيدا من التألق .
فيقول /
أنا بذكره عن الزله بما أقوله
..//.. يهديني الله قبل تطلع وأعدلها
يلاحظ المتلقّي هنا براعة توظيف المفرده بشكل يناسب مكانها وزمانها
ثم يبدأ بتحديد المكان الذي يطلق منه هذه الشامخه حيث
يقول/
هذا وأنا بادي ن في راس مشهوله
..//.. شيخة مراقيب جل اللي مشهلها
الله عليك ابو عبدالله /
تم تحديد المكان وصفيًا ولم يذكر أسمه تمهيداً لذكره فيما بعد
ولكن هنا أظهر الوصف المبدئي للمكان انه:
أولاً / مرقاب
ثانياً / ليس اي مرقاب
إنما هو شيخة مراقيب .
أي المرقاب الذي يمتلك الزعامه سواء وجدانيا اي بنفس
الشاعر او مصطلحياً أي أن يكون متفق عليه من قبل مجموعه من الناس بأن هذا المكان
يمتلك الزعامه .
بعد ذلك ياتي البيت الذي يوضح جغرافية المكان بدقه ويخبر عنه لمن اراد معرفته
وهنا
( دقة الشاعر تظهر بوضوح لأن كثيراً من الشعراء ليس من ضروراتهم
تحديد الأماكن )
ولكن التحديد هنا لإضافة بعد توضيحي لمن أراد المزيد من الغوص
بثنايا النص للإستمتاع بكافة جوانبه .
( بادن بلاهه )
هنا تحدد المكان وهو ( لاهه ) ومع التحديد
يدعو الشاعر بأن الوسمي وقت
حلوله يسقي هذا المكان ويروي فياضه وخفايا خباريه أي ماكان مختفياً من الممرات المائيه التي لاتظهر يوضوح , وكذلك المسارات الصغيره في بطون
أوديته .
فيقول/
بادن بلاهه عسى الوسمي على حلوله
..//.. يملا الخفايا خباريها من إرجلها
ثم يبدأ أبو عبدالله بوصف تفصيلي لهذا المكان الذي نحن متواجدون فيه فكرياً الآن
حيث يقول /
جذيبتن فوقها رجم ن هذا طوله
..//.. قديم ياعي عظام ن ذاب مفصلها
لاحظو دقة الوصف جذيبه فوقها رجم
والرجم قديم وعمره الزمني قديم جداً وللتوضيح
يقول /
ياعي عظام ن ذاب مفصلها
أي الوقت الكافي لذوبان مفاصل تلك العظام ويترك التقدير
الزمني الفعلي للمتلقي فله حرية التحديد كيفما يشاء .
ثم ياتي وصف الرجم وياله من وصف ظهرت فيه كل فنون البلاغه
ملموم مزموم شايح مسجده حوله
..//.. له نسمتن من خلول الغرب ينسلها
ملموم / مزموم / شايح
وهنا لابد من الوقوف للتوضيح
ملموم / أي يجتمع بحميميه وآن للحجاره أن تشعر بهذه الحميميه بعد أن أهداها لها منصور .
مزموم / مرتفع بحيث تشعر بإرتفاعه من أول وهله والإرتفاع هنا له بعد معنوي
وهو العلو والسمو الفكري .
كذلك الإرتفاع الفعلي عن مايجاوره للظهور عن غيره .
شايح / وماشاح عن غيره أي إبتعد وهذا تأكيد للعلوين السابقين .
مسجده حوله / وهنا بعد إنساني عميق للتذكير بقيمة الإنسان من حيث إعادة إرتباطه بالمسجد عبر العصور .
كما أن للمسجد هنا صفه دلاليه جغرافيه لتحديد المكان بدقه فمن يعرف لاهه يحدد أين يقع ذلك المسجد تماماً .
ثم يعود لإضفاء الوصف التعبيري لهذا المكان /
فيقول
لاهه دوا للصداع وهي بنادوله
..//.. بها المشاحين عن شحن الزمن تلها
فيوضح بأن ( لاهه ) هي الدواء لمن يشعر بذلك الصداع المملّ نتيجة إسقاطات هذا الزمن الرديء .
ومن المتعارف عليه في وقتنا هذا أن علاج الصداع هو ( البنادول ).
وهو إشتقاق لمسمى نوع من الأدويه أبدع الشاعر في توظيف مسماه في مكانه المناسب
وغايته المناسبه وهي علاج الصداع .
ويوضح كذلك بأن من يشعرون بالشحن والمفرده هنا موغله بالروعه
أي المشحونين نتيجة مايسقطه هذا الزمن فليس لهم أفضل من لاهه .
ثم يتوجه إلى إيضاح أنه عندما يأتيها تذوب كل أوجاعه ..
فيقول/
ياجيتها والقريحه شبه مكبوله
..//.. حلّت كلب!!!ها من دون تكفلها
فيتضح مدى تأثيرها بحيث تنساب تلك القريحه التي كانت شبه مكبوله .
ولنا أن نلاحظ هنا
أنها شبه ونضع شبه نصب أعيننا فلو قال / مكبوله لاستغربنا كيف تكبل قريحة شاعر؟
ولكن هذه المفرده تظهر دقة الوصف .
ثم يستطرد لتوضيح تلك القريحه التي لها علاقة إرتباط وجداني حيث أنها تعطي
من نبعها الصافي ذلك الرهط القادم والذي يخشى منه الشاعر بأن يتسبب بما لايحمد عقباه ومع ذلك يستمر
فيقول /
قريحتن نبعها للجن عاقوله
..//.. وأخاف يارد لها رهط ن يهرفلها
. الله عليك ابو عبدالله .
يالهذه البلاغه المموسقه برائحة الروعه .
مع ملاحظة الإرتباط الشعري المتماسك والربط مع إرهاصات علاقة القصيده
مع ذلك الرهط الذي اشار اليه .
ثم ياتي البيت المترامي الأطراف ويموج في بحر من الالق .
حيث يقول /
تنطّحت نسمة ن من دير معلوله
..//.. مشقّ سمري لها من غرب يرسلها
أي إستقبلت تلك النسمه الرّاقيه والتي أتت ينقلها الأثير من دير معلوله ومن شاء أن يسأل
عن دير معلوله فليسال .
وتلك النسمه الآتيه من دير معلوله اتت عبر مشق سمري ومشق سمري هذا هو عباره عن
الطريق الذي تسلكه النسمه القادمه من دير معلوله بين القمم الجبليه لتصل الى لاهه
اتى الشاعر بجميع الأمكنه المعنيه والتي يحتاجها النص .
وكلها اماكن لها بالوجدان صور وزوايا .
__الله عليك يامنصور الله عليك __
ثم بدأ الحنين الرّاقي المتوج بالصدق المعطر ببياض الوهج الشعري
قامت تحن بضميرن ضايق ن جوله
..//.. تنقض مكانينيه اللّي غصب يفتلها
الله على دقة الوصف .
أولاً / تحن .
ثانياً / أين ؟
داخل الضمير .
ثالثاً /أي ضمير ؟
الذي ضاق من كثرة
ماحوى واحتوى هنا شيء لايستطيع النقد والتوضيح ان يتمكن من الوصول اليه .
فهو حق حصري بشعور ابو عبدالله .
ويضع التشبيه الذي يعبر عن الحنين بالصوت الذي يرى أنه يعبر عن ذلك
بصوت حنين الهاف / والهاف مسمى لنوع من السيارات يعطي إنطباع عن حقبه زمنيه معينه
وله علاقه خاصه بكثير من أبناء الجزيره العربيه .
كذلك له وجود رمزي بالنسبة لهم ويعبر عن كثير من ذكرياتهم ويمتلك حيزا كبيراً من
ذاكرتهم .
فيقول
حنين هاف ن شبط راعيه حاجوله
..//.. يِعْوِلْ بثاني وراحاته يزاولها
على ماذا الحنين ؟؟
لا حظو ....
على طهامة زمان ن شدّ مرحوله
..//.. أقفا بقوم ن يشيل الحمل كاهلها
أوه يامنصور قدرنا أن نعيش تلك الأزمنه وقدرنا أن نشعر ببعدها ...
كماهو قدرنا أن نعرفهم ونعرف معنى فقدانهم .
أقفا بهم هادم اللذّات وخيوله
..//.. لابد كل الخلايق ما يتسفلها
وهنا لسنا بحاجه للإيضاح ولا للنقد ولاللتعليق .
يقول /
من عقبهم قمت أجاوب حس مشعوله
..//.. بذّت خفا النزل الأكبد في تعاولها
صوت مشعوله تلك الناقه التي أضرمت نار حنينها جذوة الأضلاع بذلك الحنين
المتهدج بذلك الصوت الأجش المترامي الاطراف .
( وهنا قد يستخدم الشاعر الناقه كرمز تعبيري إذ من الممكن ان يقصد غير الناقه ).
ويقول /
بذّت بتشديد الذال أي اتعبت واستنفذت الصبر .
والقصد هنا أن الناقه أو ماسمي بها إصطلاحاً أتعبت في عويلها من يحاولون التخفيف عنها .
وعبر عنهم ب النزل الأكبد
والنزل للتوضيح يعتبر عدد كبير من المنازل وهي عباره تطلق على بيوت الشعر
المتجاوره والأكبد أي الكثير .
ولا يلوم الشاعر تلك العيون عندما تهمي سحبها نتيجة لما سبق ولكن يلومها إن لم تفعل ذلك .
كما يلومها إن إكتحلت بعد ذلك المقصود الذي لايجب أن تكتحل بعده أبداً .
وهنا تتجلى قمة الشفافيه والصدق والنبل .
لما له بعد يسمو بروح الانسان الذي يعرف ماذا يعني ذلك .
فيقول /
مالوم عين ن على فرقاه مبهوله
..//.. ألومها لو بعود الميل تكحلها
يختمها أبو عبدالله بذلك الشجن المضيء الذي يبعث بالروح الشفافه معنى آخر من معاني الإنسانيه الحقيقيه .
وهي عدم اللوم عند إستدرار العين لما تخفي وذلك لما يشعر به صاحبها .
ولكنه يلوم تلك العين في حالة نسيانها وعبر عن ذلك بأنها تكتحل بعود الميل وهو مايستخدم لكحل العيون عادةً
ثم يأتي لوصف حالته بشكل مباشر لكي تصل الصوره الفعليه الحقيقيه من تأثير
ماسبق فيجتاحنا
بقوله /
حلّت ضميري مرافه حلّ صاموله
..//.. مع عبرتن مع عتيم الليل تهملها
لنصل وإياه الى المرحله النهائيه من الشجن الراقي والذي يختتم عادةً ودائماً بعبرة
تشي بما يعتلج داخل حنايا الصدور .
هذه قراءه نقديه متواضعه لقصيده من قصائد /
i___ * منصور حواس الخضع *____i
أحد رموز القصيده بالمملكه علماً بأنه كما سبق ونوهنا هنا وفي غير
هذا المنبر بأن هذا الشاعر العلم / الرمز لم يُخدم إعلامياً ولم يحصل على جزء ولو
بسيط من الخدمه الإعلاميه المقدمه لغيره .
وبالرغم من ذلك له تواجد كبير ومقام رفيع في نفوس كثير من الذين يعرفون القصيده
ولهم إرتباط ومتابعه للساحه الشعريه .
.... لك ابو عبدالله من كل قلوب محبيك ومتابعيك كل الشوق .
ويجب أن تعلم بأنك من الذين يعبرون صدورنا جيئةً وذهابا ًبكل حرف وكل صوره
يرسمها هذا القلم المبدع شاء المستشعرون أم أبو .
شكراً للبوح الرّاقي والصدق الشعري والجزاله .
دمت بخير ....